17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف | أشرف أبو جليل

إيقاع مختلف | أشرف أبو جليل

 

كثيراً ما تصورت أنك إذا أردت أن تقيم مدينة فاضلة حقيقية فإن عليك أن تجعل كل مسؤوليها من الشعراء بشرط أن يكونوا شعراء!

وكثيراً ما تصورت أن تصورى هذا شطحة من شطحات الخيال غير المحسوبة وغير العقلانية، خاصة ونحن نعلم ما يكتنف كثيرين من الشعراء من نرجسية مغالية أو دوران حول الذات أو استبدال الكلمة بالفعل.

لكنى أعترف بأن هذا الرجل جدد فى نفسى هذا التصور من جديد، إنه صديقى الشاعر صاحب الهمة العالية أشرف أبو جليل، فهو كشاعر صاحب رؤية شديدة المثالية لما يمكن أن يعتبر شعراً حقيقياً ومن يعتبر شاعراً حقيقياً، مصفاته النقدية بالغة الضيق بحيث لا تسمح بالمرور إلا لأقل القليل من الشعر والشعراء، ذلك الشعر الذى يمثل إضافة حقيقية للحياة، وذلك الشاعر الذى يفتح للقصيدة أفقاً جديداً شديد الرحابة والخصوصية والتميز، وهى رؤية كثيراً ما عطلته هو شخصياً عن الإبداع، لأنها جعلت الناقد المثالى الذى يسكنه يسلط سيف نقده ورؤاه على الشاعر الذى يسكنه.

أما كمسؤول ثقافى، فأعترف بأنه صاحب همة مدهشة، وعقلية ابتكارية أكثر إدهاشاً، هو معمل أفكار لا يهدأ، وماكينة عمل من أن أجل أن تتحول الأفكار إلى واقع حقيقى، فمرة تجده منشغلاً بأن يبحث فى كل قرية عن صبيانها وبناتها من الموهوبوين شعراً أو إلقاءً أو تمثيلاً فى رهان حقيقى على المستقبل، ومرة تجده متجهاً إلى شباب الجامعة يستخرج من بينهم المواهب التى يمكن أن تدفع تيار العمل الثقافى إلى الإمام، مصراً على أن يربط هؤلاء وأولئك بالمبدعين الذين يسكنون أقاليمهم، فى ترجمة حقيقية لفكرة إعادة توزيع خرائط الضوء على ربوع مصر كلها، ومرة تراه وقد تقدم بمشروع ثقافى ضخم يمثل طفرة حقيقية فى الفعل الثقافى النبيل الذى يحطم إلى الأبد فكرة العمل الثقافى الصورى القائم على مهرجانات العلاقات العامة الملأى بالأضواء الفارغة من الفعل، وهو يصر على أن يربط ما هو فنى بما هو أدبى مدركاً أن الأدب يمنح الفن عمقاً وقيمة وسمواً، وأن الفن يمنح الأدب جاذبية ورشاقة وقرباً إلى القلوب والنفوس، وهو يصر على أن يكرم مبدعى مصر كل فى قريته أو حيه ، ضارباً بهذا عصافير عدة بوردة واحدة، فهو يمنح الأديب بعض ما يستحق من تكريم، ويمنح القرية أو الحى بعض ما يستحق من حراك ثقافى، ويجعل الأديب المكرم مركز إشعاع حياً وسط بيئته ، و... و... طوفان أفكار لا يتوقف وهمة لا تعرف التعب!!!

المدهش أن هذه الهمة قد عبرت عن نفسها مبكراً جداً قبل أن يصبح هو مسؤولاً ثقافياً، حين كان يقيم مهرجانات ثقافية وهو فى الهواء الطلق، نجومها قامات فى شموخ محمد صبحى أو محفوظ عبد الرحمن.

والأكثر إدهاشا أن هذه الهمة لم تقيدها الوظيفة الثقافية بالقيود المعتادة، بل زادتها قوة وإصراراً على محاربة الفساد أو التراخى، يحفزها فى ذلك لون عميق من ألوان الانحياز اليسارى إلى البسطاء فى نبل وتجرد وتضحية.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة